عوسجة: إطلالة على تاريخ قرية ذات أصول أندلسية بناحية بنزرت

تقع هذه القرية بين مدينتي رأس الجبل و العالية على بعد 48 كلم من تونس العاصمة. و هي تحتلّ موقعًا مميزًا على طريق ساحل بنزرت المعروفة منذ الفترة الرومانية و التي تواصل استعمالها طيلة الفترة الحديثة بشهادة أغلب الرحالة من الأوروبيين. و يعتبر هذا الموقع من المواقع الآمنة بفضل وجود دلتا مجردة التي هي عبارة عن سهل منفتح تكوّن نتيجة لتراجع مستوى البحر بعد تغيّر مجرى وادي مجردة. و تعدّ هذه الدلتا عنصرًا دفاعيًا مهمًا من الناحيتين الشرقية و الجنوبية، حيث تقف حاجزًا أمام عمليات الإنزال البحرية خصوصًا في مواسم الأمطار. و كذلك بفضل القرى المحصّنة المشرفة على البحر و سلسلة المرتفعات المحيطة بها التي تحميه من الناحتين الشمالية و الغربية مثل جبال الفوار وبن عياد والدمان و ريان والزواوين و الطويبية و التلّة.

اكتسبت هذه القرية تسميتها على ما يبدو من اسم قبيلة عوسجة البربرية التي تنحدر بدورها من قبيلة ملزوزة البترية. و هي من القبائل التي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ الأندلس بعد أن جازت إليها أيام الفتح الإسلامي و إليها ينسب " بلاط عوسجة" بشنتبرية. و ربّما قدم السكّان الأوائل إلى موقع القرية الحالية بعد سقوط سرقسطة خلال سنة 512 هـ/ 1118م خصوصًا وأنّ بعض الوافدين من هذه المدينة قد استقروا بقرية رأس الجبل حسب ما يُفهم من النقيشة القبرية التي عثر عليها بزاوية سيدي عبد الله والتي تؤكّد أنّ صاحبها المتوفى سنة 704هـ/ 1304 م، قد كان من أصل لخمي سرقسطي. وقد وردت أولى الإشارات إلى قرية عوسجة خلال العهد الحفصي بـ "مناقب صلحاء تونس" في القرن VIIه/ XIIIم، في معرض الحديث عن شخص يُدعى منصور العوسجي كان له مائتي شاة من الغنم. كما ذكر كذلك الشيخ أبي عبد الله محمد العوسجي المرساوي بـ "مناقب سيدي أحمد بن عروس" خلال القرن IX ه/ XVم. و خلال القرن X ه/ XVIم ، جاء بـ " أجوبة ابن عظوم " أنّ هذه القرية قد كانت تحت إشراف أعوان المخزن. و هو ما يدفعنا إلى الاعتقاد في كونها قد كانت من ضمن المجالات التابعة لحلف القبائل المخزنية من أولاد حكيم و أولاد الحجري الذين أشارت إليهم بعض الوثائق الإسبانية بهذه الناحية في أواخر العصر الحفصي.


خلال الفترة الحديثة، التحقت بالقرية وفود جديدة من الأندلسيين خصوصًا بعد التهجير النهائي خلال سنة 1609 م. كما استقبلت كذلك وفود أخرى من الوسالتية الذين أخرجوا من جبل وسلات سنة 1762 م. و قد جاء بدفاتر الجباية خلال سنة 127ذ@2 ه/1855 م، أنّ عدد سكان القرية قد بلغ حوالي 122 فردًا يتوزعون على 19 عائلة. و من بين هذه العائلات، نجد 08 عائلات حنفية تحمل اللقب الروشي و سليمان، في حين تحمل البقية ألقاب اللطيف و بولسين و بورعيدة و الجلاصي و الزواوي والجندوبي و الغربي و القروي و مقديش و الساحلي والجبالي.

و كانت عوسجة تحتوي على مجال فلاحي منقطع النظير بالجهة يرتكز أساسًا على غراسة الزيتون حيث تأتي غابتها على رأس المجالات المنتجة للزيتون. ففي حساب مصطفى خوجة لسنة 1114- 1115هـ/ 1702- 1703م، بلغت عائداتها 2300 ريال أي بنسبة 19 % من مجموع عائدات جهة بنزرت. وتتوزّع هذه الغابة في محيط قرية عوسجة على عدد من الأجنّة مثل عين الصادق وبيرم و فدان القبور والمانع و الشامخ و غيرها وصولًا إلى غابة سعدان التي كانت تحتوي على 08 أطراف. كما وردت الإشارة برسم حبس سيدي أحمد بن عروس في أواسط ذي الحجة 1177ه/ جوان 1764م إلى سانية الزيتون الكائنة بعوسجة و قدرها 13 مرجعًا (حوالي 0.75 هكتار). و وردت كذلك الإشارة برسم حبس جامع الزيتونة إلى موضع مشجر زيتون يعرف ببنت الخراز بين عوسجة ورأس الجبل. و بنفس البلدة، كان لزاوية سيدي القينوبي 06 مواضع زيتون بها ما يقارب عن 158 أصل. كما أشارت وثيقة متعلّقة بأحباس الجامع الكبير بغار الملح خلال سنة 1179 هـ/ 1766م إلى 32 جنان زيتون من أصل37 وقف كائن بغابة عوسجة. و تحتوي هذه الغابة كذلك على عدد كبير من المواضع المشجّرة زيتونًا محبّسة على الحرمين الشريفين لكنّنا لا نعلم عدد أصولها.

و قد نوّه ﭬـيران (Guérin) الذي زار القرية في أواخر شهر ماي 1862م، بأهمية غابة الزيتون التي كان على رأسها "أمين غابة الزيتون" و هو منصب تولّاه خلال سنة 1283 هـ/ 1865م محمد بن حسين يولس.

فريد الزمالي 

شكرا على تعليقك

أحدث أقدم